« بقيت مدهوشة، اجتاحها القلق، تلا ذلك غضب وذنب، لكنها لم تستطع أن تذرف دمعة واحدة. وكأنها تعاني من تبلّد شعوري أو تخدير وجداني. كما لو أن داخلها يرفض التصديق. »
مقتطف من كتابي أقدار متقاطعة

ليست كل الصدمات انفجارات. أحياناً، تأتي في شكل صمت مطبق. الجسد واقف، والعين مفتوحة، لكن النفس منطفئة. هناك لحظات نمرّ بها، لا نعرف كيف نستجيب لها. لا نصرخ، لا نبكي، لا نقاوم… بل نتجمّد.
التبلّد الشعوري ليس غيابًا للمشاعر، بل حجب مؤقت لها. كأن النفس تقول:
« هذا كثير عليّ، سأغلق الأبواب الآن. »
يصبح الإنسان مراقبًا لما يحدث، وكأنه ليس المعنيّ بالأمر. يسمع، يرى، لكنه لا يحسّ. يشعر بالذنب لأنه لا يبكي، بالغضب لأنه لا يستطيع الغضب، وبالخوف لأنه لا يشعر بالخوف.
هذا التناقض الداخلي يولّد مزيدًا من الحيرة، بل أحيانًا شعورًا بالخيانة للنفس:
« كيف لا أتأثر؟ هل أنا بارد؟ هل فقدتُ إنسانيتي؟ »
والحقيقة أن التبلّد هو آلية دفاع. النفس، حين تنهار إمكانياتها في التعامل مع الألم، تضع حاجزًا مؤقتًا كي لا تنهار. هو حماية، لا برود.
أشكال التبلّد في حياتنا اليومية
قد لا تكون الصدمة كبيرة أحيانًا، لكننا نحس بالتبلّد أمام تفاصيل صغيرة :
مكالمة صعبة نؤجلها-
لقاء نخشاه،-
أو حتى فراق لم نستوعبه بعد.-
نضحك دون أن نشعر، نُجيب بآليّة، نحضر جسديًّا ونغيب نفسيًّا.
هذا التبلّد ليس دائمًا، لكنه مؤشر. مؤشر أن هناك شيئًا يجب أن يُواجه، يُفهم، ويُحتضن.
كيف نخرج من هذا الجمود؟
ليس بالإجبار.
ولا بالتظاهر بأن كل شيء بخير.
نخرج منه بالاعتراف أولًا أننا لسنا بخير.
بالسماح لأنفسنا أن ننهار، أن نبكي، أن نغضب، أن نتكلم.
بالحديث إلى من نثق بهم، أو حتى إلى أنفسنا، في لحظة صدق هادئة.
الصمت قد يكون بداية الشفاء، إن لم نطيل البقاء فيه.
والمشاعر لا تُقاس بالدموع، بل بقدرتنا على العودة تدريجيًا إلى ذواتنا، حين نشعر أخيرًا أن ما حدث… قد حدث.